بقلم معالي مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة
يعتمد مستقبل صحة سكان العالم وصحة الكوكب على الأطعمة التي نأكلها وننتجها. وتزامناً مع يوم الأرض الذي يصادف الثاني والعشرين من أبريل كل عام، من الأهمية بمكان أن نفكّر جدياً بالخيارات التي نتبناها للمساعدة على تعافي كوكبنا.
تعتبر منظومة الغذاء العالمية أكبر مساهم في تدهور التنوع الحيوي وتفاقم مشاكل التصحر والجفاف وتلوث المياه العذبة والتأثير على التنوع البيولوجي. وهي أيضاً ثاني أكبر مولّد لانبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب بالتغير المناخي، وذلك بعد قطاع الطاقة. بدوره، يؤثر التغير المناخي سلباً على المحاصيل الزراعية في العديد من الدول بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار. إنها حلقة مستمرة من التأثيرات السلبية المتبادلة، ويكمن دورنا في التغلب عليها وتجاوزها.
يعاني نحو 70% من البالغين في الإمارات من زيادة الوزن، و28% منهم يعانون من البدانة، في حين ترتفع معدلات السمنة لدى الأطفال بحسب الاتجاهات العالمية. وفي الواقع، ليست هذه الأرقام مستغربة، إذ أن 83% من البالغين في الإمارات يتناولون أقل من خمس حصص من الفواكه والخضروات يومياً، وأكثر من ثلث الأطفال يشربون علبة أو أكثر من المشروبات الغازية كل يوم.
وفي ظل هذه المعطيات المقلقة، بادرت وزارة التغير المناخي والبيئة إلى التعاون مع وزارة الصحة ووقاية المجتمع، وجمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى إطلاق حملة "الغذاء من أجل الحياة"، وهي أول حملة من نوعها لتوعية أفراد المجتمع والتعامل مع معادلة الصحة والتغذية ورفاه الكوكب من خلال الترويج للوجبات الصحية التي تنتجها منظومات غذائية مستدامة.
نسعى من خلال هذه الحملة إلى تشجيع الناس على تبني رؤية لمستقبل يستمتعون فيه بصحة أفضل وبتقدير أكبر وأكثر شمولاً للغذاء. كما نهدف إلى تحفيز المواطنين والسكان على تحسين أنماط حياتهم وصحتهم وتغذيتهم وتعزيز البيئة التي يعيشون فيها، خاصة وأن جميع هذه العناصر مترابطة بشكل وثيق.
وعلاوة على ما سبق، نسعى إلى تعزيز فهم الناس لمصادر الغذاء وكيف يمكنهم العيش وتناول المأكولات بشكل أكثر وعياً بحيث تكون وجباتهم أكثر أماناً وتنوعاً وتوازناً ومليئة بالمكونات الغذائية. كما نود أن نحفز السكان على اختيار مأكولات منتجة محلياً للحد من البصمة الكربونية. ومن شأن هذه التغييرات البسيطة في أنماط الحياة أن تخلق أثراً متتابعاً يولد نتائج كبيرة وملموسة على حياة الناس والكوكب.
وتعتبر مكافحة هدر الطعام جزءاً لا يتجزأ من هذه المنهجية المتكاملة، إذ يعد فقدان الأغذية وهدرها من أخطر التحديات التي تواجه أمننا الغذائي. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن ثلث إجمالي الطعام المنتج في العالم ينتهي به الأمر في النفايات، وذلك يعادل 1.3 مليار طن من الغذاء أو ما قيمته ترليون دولار تضيع هباءً كل عام. وفي المتوسط، يهدر كل شخص حول العالم 95 كيلوغراماً من الطعام سنوياً.
تظهر الأرقام السابقة أن ثلث إجمالي الأثر البيئي السلبي الذي تولده منظوماتنا الغذائية يمكن تجنبه بسهولة، وهذا يعني أنه إذا استطعنا تجنب هدر ثلث الطعام المنتج عالمياً، فسوف يتوفر لدينا أربعة أضعاف الكمية اللازمة من الغذاء لإطعام 820 مليون شخص يعانون من سوء التغذية في أنحاء العالم. وعلاوة على أطنان الأطعمة التي تذهب هدراً في مكبات النفايات، فإنها تتسبب أيضاً في انبعاث غاز الميثان الضار أثناء تحللها، وتُهدر موارد طبيعية ثمينة أخرى، مثل الأراضي الزراعية والمياه والكهرباء والغاز، لأننا ننتج أطعمة لا نستهلكها.
ونهدف عبر "المبادرة الوطنية للحد من فقد الغذاء وهدره" (نعمة) إلى تغيير الممارسات غير المستدامة في التعامل مع الطعام والتي تقف وراء ارتفاع معدلات الهدر على مستوى الدولة، وتشجيع أفراد المجتمع على الاهتمام أكثر بنعمة الطعام وتعزيز أهمية تبني سلوكيات غذائية مستدامة.
وتبرز مشكلة هدر الطعام بوضوح خلال شهر رمضان المبارك. لذا، فقد أطلقت حملة "الغذاء من أجل الحياة" مبادرة "وفّر الثلث" التي تهدف إلى ترسيخ أهمية الطعام في حياة الناس والبحث عن طرق جديدة للحد من الهدر.
قد تبدو فكرة تحضير قائمة واسعة من الأطعمة لتناولها خلال الإفطار أمراً مغرياً للصائم الذي يحجم عن الأكل والشرب طوال النهار، لكن ينتهي بنا الأمر في معظم الأحيان وقد أهدرنا جزءاً كبيراً من الأطعمة التي حضّرناها.
ويمثل يوم الأرض فرصة مثالية لكي نفكر بالطرق المناسبة للحد من هدر ثلث الطعام على مستوى العالم، وهذا يشمل على سبيل المثال لا الحصر، الاحتفاظ ببقايا الطعام لتناولها على السحور، أو استخدامها لتحضير وجبة جديدة في اليوم التالي، أو حتى التبرع بها للمحتاجين. والأهم من ذلك أن نخطط مسبقاً لوجباتنا لكي لا يزيد لدينا أي فائض.
إن تسوق الأطعمة وتحضيرها وتناولها بشكل ذكي ومبرمج يساعدنا على كسر حلقة التأثيرات السلبية وتحويلها إلى تأثيرات إيجابية والمساهمة في إحداث تحول في وجباتنا ومنظوماتنا الغذائية للوصول إلى مستقبل أفضل وأكثر صحة.